الأمازونيات نساء جميلات حسناوات عرف عنهن بغضهن الشديد للرجال إلى درجة أنهن كن يقتلن أطفالهن إذا ولدوا ذكورا , كانت مملكتهن للنساء فقط و ويل لعاثر الحظ من الرجال إذا قادته خطاه إلى دخول حريم أرضهن فهو ملاقي حتفه لا محالة فالأمازونيات محاربات باسلات و فارسات ماجدات لا يشق لهن غبار برعن في الرماية فلا تخطيء نبالهن و لا تحيد عن قلوب الرجال لتفلقها و تدميها أما رماحهن الطويلة فتحمل علقما و موتا زؤاما في ساحات الوغى و النضال تخر أمامها عزائم الشجعان و تفر منها جموع بني آدم و تصير شذر مذر كما ان فؤوسهن ماضيات ذات نصلين تحصد الهامات كما يحصد المنجل سنابل القمح في الحقول.
و قد وردت في كتب و ألواح المؤرخون الإغريق القدماء الكثير من الأساطير عن الأمازونيات فذكروا إنهن أول من روض الخيل و امتطاها من بني البشر , و أنهن خضن عدة حروب ضد أثينا و غيرها من المدن الإغريقية القديمة , و قد اختلفوا حول مكان مملكتهن , فذكر بعضهم أنها تقع في الأناضول إلى الجنوب من البحر الأسود و أن كلمة "أمازون" معناها "بدون رجل" في الإغريقية القديمة , فيما زعم فريق آخر بأن ارض الأمازون تقع إلى الشمال في أوكرانيا , و هناك أيضا من قال بأن مملكة الأمازون تقع في شمال أفريقيا و زعم بأن اسمها مشتق من كلمة "امازيغ" أي أقوام البربر الذي استوطنوا تلك الأصقاع منذ فجر التاريخ.
و رغم اختلاف المؤرخين حول مكان مملكة الأمازون إلا أنهم اتفقوا على أنها كانت مملكة واسعة تتكون من عدة مدن ذكروها بالاسم و أن ملكة الأمازونيات كانت فائقة الحسن و الجمال و غاية في الشجاعة و الإقدام , لكن نقطة ضعف الأمازونيات الوحيدة و الأمر الوحيد الذي يحتجن إلى الرجال فيه كان الجماع و التكاثر و ذلك كي لا تقل أعدادهن و ينقرضن , و لهذا السبب و لمرة واحدة في السنة , كانت الأمازونيات البالغات يذهبن في رحلة جماعية إلى إحدى المدن الواقعة عند حدود مملكتهن فيضعن أسلحتهن جانبا ثم تنصب كل واحدة منهن خيمة و يتربصن حتى يأتي إليهن رجال تلك المناطق ممن يعلمون قصتهن و مسلكهن فيضاجعونهن ليوم و ليلة واحدة فقط , و هذا اليوم اليتيم خلال السنة كان هو يوم السلم الوحيد بين الأمازونيات و معشر الرجال أما في سواه فلم يكن هناك شيء في الدنيا أحب إلى قلب الأمازونية من إذلال الرجل و قتله. و عند عودة الأمازونيات من رحلة التكاثر السنوية كانت الحوامل منهن ينتظرن بفارغ الصبر حتى يلدن ليرين ما أنجبت بطونهن و ويل للمولود إذا كان ذكرا لأن المسكين كان يقتل فورا أو يترك في البرية ليموت جوعا و تلتهمه الحيوانات المفترسة , و في أحيان نادرة , قد يكون في قلب الأم ذرة من الرحمة فتحمل مولودها الذكر لتتركه عند مشارف إحدى البلدات أو المدن الإغريقية ليلتقطه سكانها و يربوه. أما إذا كان المولود أنثى فكانت تستقبل بالحفاوة و التبريك , و تبدأ الأم بتعليم ابنتها فنون القتال و الكر و الفر منذ نعومة أظفارها كما تقوم بقطع ثديها الأيمن أو تكويه بالنار حتى لا ينمو و ذلك لكي لا يعيقها مستقبلا عند استعمال قوس الرماية و غيره من الأسلحة كما أن الأمازونيات اعتقدن بأن قطع أو كي الثدي الأيمن سيقوي بالمقابل الذراع و الساعد الأيمن. إضافة إلى شجاعتهن و صلابتهن فقد عرف عن الأمازونيات أيضا صبرهن و شدة جلدهن , و من عجائب ما ذكره المؤرخون الإغريق حول قدرة التحمل لديهن هو أن الأمازونية بإمكانها عند الضرورة البقاء فوق صهوة جوادها لعدة أيام بدون أن تترجل و خلال هذه المدة يكون غذائها و شرابها الوحيد هو دماء الحصان الذي تمتطيه عن طريق جرح صغير تشقه في رقبة الحيوان و تمص الدم منه.
رغم كل ما ذكره القدماء حول قسوة الأمازونيات و كرههن الأعمى لجنس الرجال لكن ذلك لم يمنع من أن تقع بعضهن صريعات سهام العشق و الهوى , ففي بعض الروايات ذكروا أن الأمازونيات في غزواتهن و حروبهن كن يقتلن جميع الأسرى من الرجال لكن أحيانا كان البعض من الشباب يستثنون من القتل لكي يكونوا عبيدا , و كان العبد من الرجال يؤخذ إلى مملكة الأمازون ليقوم بالأعمال المنزلية كالطبخ و التنظيف في بيت سيدته كما كان عليه أحيانا أن يكون شريكها في الفراش سواء برضاه أو تقوم باغتصابه عنوة!. و من قصص عشق الأمازونيات أيضا ما ذكرته إحدى الأساطير الإغريقية في أن ملكة الأمازونيات هيبوليتا أحبت بطلا إغريقيا و هربت معه إلى أثينا حيث تزوجا و أنجبت منه طفلا و قد كان هروبها و زواجها سببا في حرب مدمرة نشبت بين الأمازونيات و سكان مدينة أثينا الإغريقية. و في ملحمة الإلياذة هناك أيضا ذكر للأمازونيات تحت اسم "النسوة اللائي يحاربن كالرجال" إذ تروي الملحمة أنهن قاتلن مع جيش طروادة ضد الإغريق و أن البطل أخيل وقع في حب ملكتهن. أما في أسطورة هرقل الإغريقي فقد كانت مهمته التاسعة هي سرقة حزام ملكة الأمازون السحري و قد استقبلته الأمازونيات بحفاوة كبيرة نظرا لما تناهى إلى سمعهن من قصص عن شجاعته الكبيرة و مغامراته الخارقة , لكن هرقل مثله مثل بقية الرجال , قابل حفاوة الأمازونيات بالغدر فقتل ملكتهن و سرق حزامها ثم فر هاربا.
أما المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت فقد أسهب في حديثه عن الأمازونيات و ذكر عنهن قصة طريفة يمكن تلخيصها في أن الإغريق خاضوا حربا شرسة ضد الأمازونيات حتى هزموهن و قتلوا و اسروا الكثير منهن , و قد حملوا أسيراتهم في ثلاث سفن أبحرت بهن إلى أثينا , لكن خلال الرحلة البحرية تمكنت الأمازونيات الأسيرات من فك وثاقهن و قمن بقتل جميع البحارة الإغريق ثم قدن السفن على غير هدى حتى رست بهن عند احد الشواطئ الجنوبية لروسيا , و قد تصادف وصولهن إلى تلك البقعة النائية مع قدوم مجموعة من الشباب الاسكثيين الذين كانوا في رحلة صيد فنشب بين الفريقين قتال عنيف , إلا أن الاسكيثيين سرعان ما اكتشفوا بأن أعدائهم ليسوا سوى نساء لذلك انسحبوا من المعركة و عوضا عن القتال اخذوا يتوددون إلى الأمازونيات و يتصنعون اللطف و الرقة حتى روضوهن ثم اتخذوهن زوجات و أصبحن شريكاتهم في كل شيء حتى في الصيد و القتال و لهذا اشتهر الاسكيثيين بين الأمم القديمة بأن نسائهن محاربات باسلات يقاتلن مع الرجال في ساحة الوغى.
في العصر الحديث نظر الناس إلى قصة المحاربات الأمازونيات كأسطورة و خرافة قديمة , لكن وجود الكثير من الكتابات و الرسوم و النقوش في تراث الكثير من الأمم و الشعوب القديمة و التي تحدثت بأطناب عن المحاربات الأمازونيات دفعت عددا من الباحثين و الآثاريين إلى الاعتقاد بوجود بعض الجذور التاريخية الحقيقية للأسطورة , و كانت الأقوام البدوية القديمة كالاسكيثيين و السرمتيين الذين اجتاحوا جنوب روسيا و آسيا الصغرى منذ القرن التاسع قبل الميلاد هم الأقرب إلى أن يكونوا مصدر الأسطورة , فالاسكيثيين كانوا من البرابرة و كانوا في غاية الوحشية و التعطش للدماء , يسلخون جلود أعدائهم و هم أحياء و يستعملون جماجم خصومهم ككؤوس للشراب و إذا مات احدهم كانت تقام له جنازة ضخمة و كبيرة يحضرها أعيان القوم و يتم خلالها التضحية بزوجة الميت و بعض أهله و يدفنون معه أيضا كنوزا ثمينة (يدفنون الزوجة و المال حتى يستفاد منها الميت في الحياة الأخرى حسب عقيدتهم و التي كانت شائعة لدى الكثير من الأمم) , و ذكر هيرودوت و غيره من المؤرخين القدماء بأن نساء هذه القبائل كانت تشارك مع الرجال في الصيد و القتال و أنهن كن فارسات و راميات بارعات كالرجال. و قد اكتشف علماء الآثار حديثا العديد من قبور الاسكيثيين و السرمتيين في روسيا و أوكرانيا و استخرجوا منها كنوزا و نفائس لا تقدر بثمن , لكن المفاجأة الصاعقة كانت تنتظر الباحثين في احد القبور حيث عثروا على هيكلين عظميين لامرأتين مدفونتين و هما ترتديان بزة قتال كاملة و إلى جانبهن وضعت أسلحتهن و قد تبين بالفحص المختبري أن احد الهيكلين يعود إلى امرأة أمضت اغلب سنين حياتها و هي تمتطي الخيل حتى أن عظام فخذيها تحدبا نتيجة ذلك , أما المرأة الأخرى فقد وجودا داخل كتفها نصل سهم يبدو أنه أصابها بجرح خطير أثناء القتال في إحدى المعارك و قد ماتت متأثرة بجراحها , و قد كان هاذين الهيكلين بمثابة الدليل على صحة رواية المؤرخ هيرودوت التي كان الباحثين يعتبروها إلى وقت قريب من الأساطير , كما إن الاثاريين عثروا أثناء تنقيبهم في قبور السرمتيين في أوكرانيا على الكثير من رفات المحاربين القدماء و قد شكلت النساء المحاربات نسبة 25% من مجموع الهياكل المكتشفة , و في انكلترا اكتشف عام 2006 قبر قديم يضم رفات العديد من المقاتلين الرومان و من ضمنهم بقايا امرأتين ترتديان ملابس القتال و تحملان السلاح و يبدو إنهما كانتا من المرتزقة الذين يرافقون الجيوش الرومانية في الحروب و يرجح العلماء بأن موطنهن الأصلي هو جنوب روسيا أو بلغاريا.
الاكتشافات الأثرية الأخيرة دفعت الكثير من الباحثين إلى التساؤل بجدية حول حقيقة أسطورة النساء المحاربات , و قد وضع بعضهم نظرية مفادها أن الإغريق دخلوا حقا في معركة مع نساء محاربات و لكنهن لم يكن أمازونيات و إنما اسكيثيات ذهب عنهن رجالهن من اجل الغزو و الحرب و هذه عادة كانت تتكرر لدى القبائل البدوية الاسكيثية إذ كان الرجال يغادرون لفترات طويلة قد تمتد لعدة سنوات و خلال هذه الفترة فأن النساء كانت تقوم محل الرجال في حماية القبيلة و الدفاع عنها و يبدو أن الإغريق قد اشتبكوا مع إحدى هذه القبائل التي ذهب عنها رجالها للغزو.
و هناك نظريات أخرى حول حقيقة أسطورة المحاربات الأمازونيات , تزعم بأن جزيرة كريت اليونانية هي الموطن الحقيقي للأسطورة و أنها ظهرت خلال الحقبة التاريخية التي تعرف بالمينوسية و لتي امتدت على الجزيرة منذ الألف الثالث و حتى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد , و على الرغم من أن العلماء لم يستطيعوا حتى اليوم فك رموز الكتابة المينوسية لكنهم الآثار التي عثروا عليها من تلك الحقبة كشفت عن مجتمع تقوده النساء أو على الأقل يتساوى فيه الرجال و النساء بشكل كامل , فالجداريات و النقوش داخل قصور و بيوت المينوسيين أظهرت الرجال و النساء و هم يشاركون في الألعاب الرياضية معا على قدم المساواة كما إن آلهة المينوسيين كانت جميعها أنثوية و بدا جليا أن النساء كانت لهن اليد العليا في أمور الدين و الدنيا في ذلك المجتمع الغامض الذي تعتبر لوحاته و نقوشه من أرقى و أجمل ما وجد من آثار في حوض البحر الأبيض المتوسط.
نظرية أخرى اعتقدت أن طبقة الكاهنات في العابد هي المصدر الأصلي لأسطورة الأمازونيات فقد كانت هذه الطبقة تشكل مجتمع نسوي خاص له طقوسه و قوانينه بعيدا عن سيطرة و هيمنة الرجل , و هناك أيضا نظرية ادعت أن الأسطورة نابعة عن الشذوذ الجنسي الذي اشتهر به الإغريق , فكما كان اللواط و الرجال المتحابون من الأمور العادية في المجتمع الإغريقي حتى أن الكثير من الفرق العسكرية الإغريقية و الإسبارطية و المقدونية كانت تتكون من أزواج من الرجال المتحابين , كذلك لم يكن السحاق و النساء المتحابات أمرا غريبا في ذلك المجتمع , بل إن كلمة السحاق الانكليزية (Lesbian ) مشتقة في الأساس من اسم جزيرة إغريقية ولدت فيها أشهر سحاقية في التاريخ و هي الشاعرة صافو (القرن السادس قبل الميلاد) و التي زعم البعض بأنها كانت تعيش مع مجموعة من النساء في إحدى الجزر و قد اشتهرت بأشعارها التي كانت تتغزل فيها بالنساء علانية و لذلك ربما يكون أصل الأسطورة يعود إلى مجموعة من النساء الشاذات اللواتي عشن معا بعيدا عن الرجال.
و أيا كان أصل أسطورة الأمازونيات فلابد ان نذكر بأن هناك الكثير من الأشياء التي تحمل اسم "أمازون" في عصرنا الحالي ربما يكون أشهرها هو نهر الأمازون و الغابات المحيطة به في البرازيل و قد سمي كذلك لأن مكتشفه الاسباني فرانشسكو دي اوريلانا عندما وصل إلى ما يعرف اليوم بحوض نهر الأمازون عام 1542 للميلاد زعم بأنه شاهد في الأدغال القريبة من النهر مجموعة من النساء المحاربات فتبادر إلى ذهنه إنهن محاربات الأمازون اللواتي ذكرتهن الأساطير الإغريقية و لهذا السبب أطلق على النهر و الغابات المطرية المحيطة به اسم "الأمازون" و لكن اغلب الظن أن ما شاهده فراشسكو في الأدغال لم يكن سوى مجموعة من رجال الهنود الحمر و لكن بسبب طول شعرهم و عدم نمو الشعر على وجوههم و أجسادهم لربما ظن أنهم نساء.
أسطورة المحاربات الأمازونيات تم اقتباسها في السينما و التلفزيون و اغلبنا يتذكر مسلسل المحاربة زينا (Xena ) التي عرض في التسعينات و اكتسب شهرة واسعة و الذي يدور حول قصة أميرة محاربة قديمة تخوض المغامرات الأسطورية و تعمل من اجل الخير , و هناك أيضا العديد من الأفلام السينمائية حول موضوع المحاربات الأمازونيات و لكن اغلبها مع الأسف يدور في فلك أفلام الإثارة و الإغراء و الإباحية , فرغم أن محاربات الأمازون اشتهرن بقسوة قلبهن و تعطشهن لدماء الرجال إلا إن فكرة وجود مجتمع من النساء الحسناوات اللواتي يرتدين ملابس القتال القديمة التي تكشف من الجسد أكثر مما تخفي طالما دغدغت مشاعر الرجال و حملتهم إلى خيالات و أوهام ربما تكون بعيدة كل البعد عن الأسطورة الحقيقية.
أسطورة المحاربات الأمازونيات تم اقتباسها في السينما و التلفزيون و اغلبنا يتذكر مسلسل المحاربة زينا (Xena ) التي عرض في التسعينات و اكتسب شهرة واسعة و الذي يدور حول قصة أميرة محاربة قديمة تخوض المغامرات الأسطورية و تعمل من اجل الخير , و هناك أيضا العديد من الأفلام السينمائية حول موضوع المحاربات الأمازونيات و لكن اغلبها مع الأسف يدور في فلك أفلام الإثارة و الإغراء و الإباحية , فرغم أن محاربات الأمازون اشتهرن بقسوة قلبهن و تعطشهن لدماء الرجال إلا إن فكرة وجود مجتمع من النساء الحسناوات اللواتي يرتدين ملابس القتال القديمة التي تكشف من الجسد أكثر مما تخفي طالما دغدغت مشاعر الرجال و حملتهم إلى خيالات و أوهام ربما تكون بعيدة كل البعد عن الأسطورة الحقيقية.
==========================================================================
حـــموتــن عـبـد اللطــيــف
صفحة مجلة المعرفة على الفيسبوك ===== https://www.facebook.com/majallat.alma3rifa
0 commentaires:
إرسال تعليق